الجمعة، 20 يونيو 2008

عمل المرأة حق .. أم واجب ؟!
دكتورة /عزة عزت
من الشعارات القديمة التي كنا نحفظها عن ظهر قلب ،لا فرق في ذلك بين صبي و فتاة : " العمل حق.. العمل واجب.. العمل حياة " و قد كانت أمهات ذاك الزمـان الجميـــل _ الخمسينيات و الستينيات من القرن العشرين _ يرتبون لنا السلم القيمي علي أساس سليم "الأدب فضلوه عن العلم" ، ثم العلم ، ثم العمل ،ثم الزواج _ الذي كان محظوراً علينا الحديث عنه _ ؛ربما لأن معظمهن كنّ قد حرمن نعمة العلم و العمل أو إحداهما ؛ لمجرد أنهن بنات ،و اكتفى أهلهن بتزويجهن .
المهم أن أمهات ذاك الزمان الجميل كنّ أقدر منّا _ رغم علمهن المحدود _ علي التأثير في أبنائهن و بناتهن .. لماذا ؟ لأسباب كثيرة ،خلاصة القول فيها أن المجتمع كله آنذاك كان يعزف نغمة واحدة و تنويعاتها ؛بحيث يصل الجميع إلى الهدف المرجو من المعزوفة ؛لإحداث التأثير المرغوب .. بينما عدم وضوح الهدف الآن ، و اختلاف نغمات العزف و النوات الموسيقية ،و ميول العازفين و أمزجتهم و توجهاتهم ،و الأهم من ذلك التباين بين القول و الفعل ، و قوة أو سطوة وسائل الاتصال الحديثة ،و المرئية منها على وجه الخصوص ،و الفضائية و "الإنترنتية" على وجه أخص باتت تشارك الأم .. بل و تنازعها تربية أبنائها ، فنجدها كلما رتبت السلم القيمي قلبته لها وسائل الاتصال رأسا على عقب .. سواء كان اتصال شخصي بأصدقاء السوء في الشارع و النادي، أو عبر المحمول ،أو كان اتصال جماهيري ذو سطوة و جاذبية ،تتهاوى أمامها سلطات الأباء و الأمهات ،و عدم جاذبية - إن لم نقل سخف - ما يلقون من نصائح و مواعظ مملة ،و مرفوضة من الأبناء و البنات على السواء .
فالأم التي تقول : الكلام ده عيب ! و التدخين لا ! إلى أخر منظومة الأوامر و النواهي التي كانت سلفا من البديهيات ،ينظر لها هذا الجيل على أنها لا تعيش العصر ( أي متخلفة ) .. رغم أن كم الأوامر و النواهي التي كانت تلقى على مسامعنا قبل عقود قليلة لا تقارن بحال من الأحوال بما يصدر عن الوالدين الآن ،وسط مشاغلهم غير المحدودة ،و إدراكهم اليائس لعدم جدوى ما يقولون ؛لأنه غير مسموع ؛و لأنه لا يناسب العصر كما يرى الأبناء .. حتى لو كان ما يطالبان به هو "حق العمل" و التمسك به و خوض غماره أياً كان ،و اعتباره حياة كاملة تستحق منهم و منهن البحث و الجهد و الدأب ،كما كنا نفعل سلفاً كجيل صلب لا يقارن بهشاشة و استسلام هذا الجيل .. و يبدو أننا دائماً مطالبون بالمقارنة _ أو مضطرون لها _ فالشيء بالشيء يذكر ،و بالتضاد تتضح الأمور .
فعلاً كنا جيل صلب يملك أن يضع أولويات لحياته ،و يملك الحلم ،و يطلق لخياله العنان كي يخطط للمستقبل ،و هذا ما يحسدنا عليه الجيل الحالي ،الذي بات لا يملك الحلم، فتواضعت طموحاته أحياناً و صغرت أو تضاءلت ،لتنحصر في مجرد الحصول على عمل .. أي عمل !! المهم ألا يواجه شبح البطالة .. هذا بالنسبة للشباب .. دون بعض الفتيات الاتي استسلمن للظروف و تخلين عن حلم الطموح العملي .
و قد جابهت هذا الموقف مع تخريج دفعات من الطلاب في عمر التفتح ،ظللت على مدى أعوام أعيد لهم ترتيب سلم القيم ،و أؤكد لهم و لهن بالطبع أن العلم أولاً ،و أن الثقافة أيضاً أولاً ،و أن التنزه عن الدنايا أول الأولويات ،ثم تأتي بعد ذلك باقي متع الحياة ،و كم من مرة قلت و أكدت لهم أن كل إعلامي _أو طامح في العمل الإعلامي _ لابد و أن تكن له قضية يتبناها و يدافع عنها ،و يحاول تنوير مجتمعه حولها ،متسلحا بالثقافة العامة ،و بالاهتمام و الجدية .. و كم قلت ،و قلت .. حتى بت أستشعر أني قد نجحت – و لو بقدر ضئيل – في بث روح جديدة في نفوسهم ،و أنا ألحظ حماسهم المتوهج ،و أكتشف فيهم قدرات على إعمال الفكر تسبق أعمارهم الصغيرة .. و لم أكن أتصور أن فرحتهم بالتخرُّج ستشوبها هذه المرارة و الخوف ؛من مجابهة شبح البطالة الرابض متربصاً بهم _ و بهن أيضاً _ و أن هذا الكائن الخرافي يستطيع أن يئد فرحة النجاح بهذه القسوة .
و قد راعني أن أرى أثار هذا الوأد المبكر للآمال و الفرحة بين الشباب أكثر من الفتيات ،فالبنات كن فرحات بالانتهاء من هم الدراسة الثقيل ،و قلة منهن من أظهرن طموح لاستكمال دراستهن العليا ،كمن سيلعب في الوقت الضائع ،ليحولنه إلى وقت شبه ضائع إلى أن يظهر المخلص ؛متمثلاً في عريس "لقطة" ليستكملن نجاحهن في مجال أخر ،تراه أكثرهن أهم كثيراً من العمل .. بل لعل إحداهن قالتها صريحة : " العمل حق للمرأة .. لكنه ليس واجب عليها " ،و هالني هذا التصريح الخطير .. رغم أنها قالته كمخرج أو حل لمواجهة البطالة التي تنتظر الجميع ،و قد وجدت الفتيات مخرجاً منه بمواصلة الدراسة .. ليس كطموح .. و لكن كمهرب ،متعللات بأن العمل ليس واجب بالنسبة لهن !! رغم كفاح المرأة لنيل اعتراف المجتمع به كحق طوال ما يقرب من قرن من الزمان ،جاهدت أمهاتنا للتمسك به ،و نجحن في بث هذه الروح فينا كجيل ،لتأتي بناتنا و يتنازلن عنه طواعية و تسليماً .. أو لعله اضطرار و تبرير ،كمن لم يصل للعنب فقال بأنه الحصرم !!
أعادني هذا الموقف إلى ذكريات مثل هذا اليوم منذ ثلاثين عاماً ،و تحديداً في أخر أيام العام الدراسي 1968 –1969 ،و نحن نخطو خارجين من ردهات جامعة القاهرة ،و تحديداً مدرج 78 ،أشهر مدرجات كلية الآداب ،الذي كنا نتلقى فيه محاضرات قسم الصحافة .. يومها كانت الأحلام تهد الجبال ،و الطموح يصل عنان السماء ،و كلنا -بنات و بنين لا فرق_ يحتضن حلمه خارجاً به إلى الدنيا الواسعة سعياً وراء تحقيقه .
و أذكر حينما أبعثر الأيام في مخيلتي أني كنت أضع أولويات لأحلامي ،و أن أول هذه الأحلام كان أن أعمل بالصحافة ،و في مؤسسة الأهرام بالذات – حيث كنت أتدرب على مدي ثلاثة أعوام – و أذكر أن هذا الحلم كانت تحيط به بعض العقبات التي قد تحول دون تحقيقه ؛لذلك و ضعت في استراتيجيتي الطويلة آنذاك حلم بديل ،أن أتقدم للدراسات العليا ،و أن أحصل على الدكتوراه ،و أعمل في الجامعة ،و كان حلما كبيراً أيضا ،بحجـم جامعة القاهرة _و ليس مجرد جامعة إقليمية _ كما كان حلم العمل بالصحافة في حجم أكبر الصحف ،و كانت القدوة و المثل في حجم محمد حسنين هيكل ،و أمينة السعيد ،و أنيس منصور ،و أحمد بهاء الدين ،و نجوم لا تطاولهم قامتي ،و أخيراً كان الزواج أخر احتمالاتي .. إذا فشلت في تحقيق أحلامي العلمية و العملية ،و إلى جانب هذه الأحلام كان هاجس الكتابة دائماً يراودني .. لا بل و يسكنني ،و كنت قد بدأت محاولاتي الأولى شعراً _ كما كان دأب جيلي _ ثم نثراُ و قصاً ،و لم أرضى عن كل هذه المحاولات ؛لتواضعها أمام حجم المثل الأعلى و القدوة التي أحتذي بها، و الطموحات التي اترسم خطوات المستقبل على ضوئها .
تذكرت أحلامي هذه الأيام بالذات و أنا أحاول أن أقدم لطلابي – و طالباتي بالذات – تجربتي الطويلة التي تلقيت فيها كثير من الإحباطات ،و حققت فيها بعض الأحلام .. و لكن ليس بالقدر الذي كنت أرجوه ،و لا بالترتيب الذي كنت أتمناه ،كما أنها لم تحدث وفق أولوياتي ،و لا في الأماكن التي كنت أحلم بها .. فلم يتحقق حلم الصحافة في الأهرام ،و لا في مصر كلها .. لكنه تحقق بأكبر مما كنت أتمنى خارج مصر .. حتى صرت سكرتير تحرير جريدة يومية ،ثم مدير تحرير مجلة أسبوعية ،و تحقق حلم الدراسات الكلية .. و لكن لم يتحقق في الجامعة التي كنت أتمناها ،و تحقق حلم أن أكون كاتبة .. و لكن ليس في المجال الذي كنت أرسمه لنفسي آنذاك !!!و الغريب حقاً أن أخر احتمالاتي _ و لا أقول أحلامي كفتيات هذه الأيام _ و هو الزواج قد تحقق أولاً .. و وجدتني أرد على طالبتي التي تقلب الحكمة التي تقول أن : " العمل حق و واجب و حياة " ،لتقصرها على أنها مجرد حق ،يحق لها التنازل عنه ،أو عدم التمسك به متى أرادت ،غير مدركة لكون العمل هو الحياة الكاملة لكل كائن حي ، بدأً بالنبات الذي يمثل بالضوء ؛لينقي لنا الجو كي نتنفس و ننعم بالحياة ،و انتهاءً بالموج الذي نحسبه يلهو على الشاطئ يرغي و يزبد ،هو في الواقع يقوم بتنظيف البحر و إخراج ما في جوفه من شوائب و أصداف فارغة ،فكل شيء من حولنا يعمل لهدف ،و بنات أخر الزمان يتنازلن عن حق لم يبذلن جهداً حقيقياً لنيله ،و يرفضن القيام بواجب يحتمه دين يرى في العمل عبادة، و يهدرن جهد رائدات تحملن الكثير في سبيل الوصول بنا إلى حق العلم و العمل ،و يقلبن ترتيب السلم القيمي أكثر مما أصابه من انقلاب !!!!
دولة الروتين .. و تساهيل ربنا !!
د. عزة عزت
عائمة هي كل وعودنا .. سواء باللقاء أو بالإنجاز ؛ و الحجة الدائمة هي إرادة الله ؛ فمن يضرب موعداً يقول :"بعد الظهر" ، و في الريف يقولون : "صفاري شمس" .. دون تحديد دقيق لساعة معينة لّلقاء - و لا أقول تحديد الجزء من الساعة كشكل من أشكال الدقة - فالمواعيد المصرية دائماً عائمة ، و تقديم المشيئة أمر واجب .. ليس من منطلق الإيمان .. و لكن هروبا من الالتزام بموعد محدد ؛ إذ نترك لأنفسنا دائما فرصة التراجع و التلكؤ ، و الحال نفسه حينما نعد بإنجاز شئ ما فنقول : " ربِّنا يسهِّل " و ما لا نعلمه هو أن الله دائما يُسهِّل لنا الأمور ،و نحن الذين نُصعِّبها على أنفسنا و على الآخرين .. كيف ؟!!!
على كل المستويات في مصر الأمور غير محددة .. و بين كل الفئات من أبسط رجل في الشارع المصري إلى كبار المثقفين و الشخصيات العامة ،و الأنكى أو الأدهى و الأمـر أن يكون الحال نفسه مع العلماء ،الذين يُفترض أن الأمور بالنسبة لهم أكثر تحديداً و علمية ،و مع ذلك نجدهم كغيرهم من المصريين يعوِّمون الأمور و يميعونها ؛ كي يجدوا فيما بعد الثغرة التي ينفذون منها للتراجع عن أي قرار ،أو اللجوء للاستثناء .. كيف ؟!! الحقيقة أن الأمر شرحه يطول .. و أنا قررت أن أحيل الأمر برمته إلى فيلسوف الإذاعة في وقت لا يكون فيه مشغول ، ليقعِّر و ينظِّر ،و يتأمل في الأمر ملياً ثم يقول لي :اسمعي يا بنيَّتي .......... ،و إلى أن يأتيني الرد أحاول من جهتي إعمال الذهن ؛ للوقوف على السبب الكامن وراء هذه العادة أو الآفة المصرية ،الكامنة في التلافيف الداخلية للعقل العربي و المصري بالتالي .
و أخيراً استطعت أن أصل إلى اجتهاد متواضع ، يشير إلى وجود فرعون صغير يكمن داخل كل منا ، تهفو نفسه إلى السيطرة ،و يتطلع إلى الهيمنة و التحكُّم في العباد .. يكبر أو يصغر داخلنا وفقاً لمقتضى الموقف ،و لحجم سلطة كل منا .. فعادل إمام حينما أشار إلى نصف كفه راداً على مدرسته ،التي تتمنى للطلاب أن "يمسك كل واحد فيهم حته كبيرة في البلد" قائلاً : "أنا حمسك حته قد كده" لم يخطئ .. فليس المهم حجم أو مساحة السلطة الممنوحة.. و لكن المهم مدى قدرة الفرعون الكامن داخل كل منا للتحكُّم في مصائر العباد ،و تعويق مسيرتهم ، فبقدر هذا التمكن من الهيمنة و السيطرة بقدر الشعور بتحقيق الذات !!.. و حتى لا نظلم كل الناس نقول: أن هناك داخل قلة من البشر فرعون عادل ،يسعد بتسهيل الأمور على الناس .. لكن الفرعون العادل ليس موضوعنا ؛ لأنه ليس القاعدة السائدة هذه الأيام .. بل هو الاستثناء من هذه القاعدة .
و كلما طالعت بريد القراء في أي صحيفة أو مجلة أتأمل الشكاوى و المشاكل التي يطرحونها ،و التي تعكس معاناتهم مع دولة الروتين .. حتى أني فكرت كثيراً في إعداد كتاب أجمع فيه كل هذه المآسي المضحكة المبكية ؛ لتكون مادة غاية في الطرافة .. لكني استشعرت أني سأبرز دور الفراعنة الصغار بذواتهم المتضخمة ،و أجعل منهم أبطالاً لكل حكايات المعاناة المصرية .. و هذا الدور – دور البطولة - لا يستحقوه !!
دار بخلدي كل ذلك و أنا أسعى لتحقيق مصلحة لي.. و الأمور كلها ميسَّرة بأمر الله ؛ بمعنى أن الله سهَّل .. و تدرج الطلب وعليه سلسلة من الموافقات على عدة مستويات متدرجة استغرقت عامين ،إلى أن وصلت إلى أخر جهة للتصديق عليه .. لكن فرعون صغير قفز فجأة ؛ ليحطم أملي في تحقيق هذه المصلحة .. رغم أنها حق لي .. لكن كلمة واحدة من هذا الفرعون الصغير يمكن أن " توقَّف المراكب السايرة " ،و دون مبرر واضح .. سوى أن الموافقات السابقة لم تتم في عصره ،و لم تمهر بتوقيعه الكريم ،و كما هي عادة الفراعنة القدماء يأتي كل منهم ليمسح عن كل المسلات و الجدران ما خطه الفرعون السابق ،و يخفي برديات سلفه و خراطيشه ،و أتوسل و أترجي بكل الأسباب الإنسانية ،و بما بذلت من جهد في سبيل الحصول على الموافقات السابقة حتى و صلت إلى أخر موافقة .. و لكن دون جدوى ؛ و المبررات كثيرة: و أولها : اللائحة تنص ،و القانون يقول .. و أخرها المسؤولية و المصلحة العامة .. و أتساءل : و راحتي و مصلحتي أنا ؟؟ أليس لها اعتبار ؟!! فأتذكر المبدأ الشعبي السائد الآن و هو "ما داهية ألا تكون مبسوط أو مرتاح" !!
و لم استطع استخلاص حقي من فم السبع .. و لم استطع أن أطالب به بوصفه حق .. بل رحت أستجديه ، و أوسط طوب الأرض للتدخل و استجدائه معي ؛ لأن الفرعون الصغير الذي قفز فجأة يملك سلبه ببساطة ، و المبررات كثيرة و كلها تفسيرات عرجاء للائحة و القانون .. و لم استطع الحصول على وعد - مجرد وعد - فالتهرب من الوعود القاطعة ،و الإنجاز الملزم الرد عليه دائما: "إن شاء الله" و "ربنا يسهِّل" !!! و ربنا بالطبع يسهِّل لنا كل أمر عسير ،و نحن الذين نُصعِّب !! و لم أنجح في الاجتهاد في الفهم ، لذا سأترك الأمر للفيلسوف .. متى يكون غير مشغول !!
هل الزواج أصبح مشكلة ؟!

د. عزة عزت

أصبحت "العنوسة" من المشاكل الاجتماعية الحديثة ،التي باتت تؤرِّق .. بل و تؤلم النفس ،و مرض مجتمعي يظهر بوضوح كطفح جلدي على وجه المجتمع العربي و المصري.. ورغم كثرة ما كُتب عن هذه الظاهرة المرضية ،سواء كتفنيد لأسبابها ،أو كتنبيه لمخاطرها المستقبلية على نفوس البشر – و النساء منهم بشكل خاص – و على النظام الاجتماعي كلـه.. رغم كثرة ما قيل أدَّعي أنني أستطيع أن أدلي بدلوي في هذا الموضوع الشائك، الذي اقتربت منه كثيراً على مستوى الاطلاع المقروء ،و على المستوى الإنساني المعاش.
فالعنوسة بدأت "بحدوتة " خلق صعوبة ما للفوز بالعروس الحلم ، أو تصعيب الأمر على الخاطب ؛لينال يد غير ممدودة إليه في الأصل .. فالأمر كان مرتبطاً بست الحسن و الجمال بنت السلطان ،أو بنت شهبندر التجَّار –أياً كان المستوى الاجتماعي – و كان على الخاطب الحالم بالانتساب إلى هذه الذروة – أو القمة التي لا يستطيع أن يطاولها – كان عليه أن يحضر "الحبَقْ و النَبَقْ" ،و أن يأتي "بشوشة أمه و أبوه في الطبق " ؛كدلالة على مشقة و صعوبة الحصول على المراد .. إلى أن تحوَّلت "الحدوته" إلى واقع أليم ، إذ كانت النتيجة بقاء الجميلة ذات الحسب قعيدة الدار ،و الخلاصة أنها أصبحت"عانس" !!
و في مجتمعات عربية كثيرة يرجعون "العنوسة" أو " تأخر سن الزواج " –إذا أردنا التأدُّب في التعبير عن الظاهرة – يرجعونها إلى انخراط الفتيات في التعليم ،و زيادة وعيهن؛ الذي أدى إلى تأخر زواجهن لما بعد انتهاء سنوات الدراسة الجامعية ،و إلى رفضهن لأيٍ من كان كخاطب ،نظراً لما أصبحن يتمتعن به من وعي ..فيمتد العمر بهن إلى سنوات ما بعد التخرج بحثاً عن العريس المناسب ،الذي قد يأتي متأخراً .. و قد لا يأتي مطلقاً .. لكني أستنكر أن يكون التعليم و الوعي – وهما خير مطلق – أن يكونا مجلبة للشر .. فالعلم و الوعي يؤخران الزواج إلى مرحلة النضج و حسن الاختيار .. و لكن .. و يمكننا وضع العديد من الأسباب الأخرى بعد كلمة "و لكن.." من مثل :
· التحرر الاقتصادي الذي تتمتع به فتاة اليوم ،و الذي لم يجعل الزواج – كما كان سلفا- هو حلمها الأوحد.
· و تطور المفاهيم المتعلقة بقوامة الرجل ،و طاعة المرأة له ،و ما استتبعه من اختلاف النظرة للحياة الزوجية ،.
· و التكاليف الباهظة لإقامة و استمرار حياة مستقرة .. و أهمها في مصر بالذات أزمة الإسكان .
· و التحوُّل في أهم سمات الشخصية المصرية .. المتميزة بالرضا و القناعة و الصبر، إلى اللجاجة و الاستسهال ،و الرغبة في الثراء السريع و الحياة الراغدة .. دون بذل جهد و عناء ،أو صبر على الأيام ..حتى تأتي بهذه النوعية من الحياة ،و السبب معروف –و إن كان ليس موضوعنا الآن – و هو ما يُكرِّسه الإلحاح الإعلامي و الإعلاني من نزعات استهلاكية ،و ما يعرضه من مظاهر حياة البذخ و الترف عن طرق سهلة في أحسن الأحوال ،و غير مشروعة في أسوئها .
هذا مع ضرورة إدراك أن العنوسة لم تعد مسئولية الأهل ،و الفتيات و حسب .. لكنها أصبحت صناعة الرجل أيضاً ؛ فغالبية الخُطَّاب أصبحت لهم مطالب تعجيزية .. تجعلهم أحياناً يدخلون مؤسسة الزواج مشاركين بمجهودهم فقط .. دون دفع شيء مقابل ما يلقون داخل هذه المؤسسة من تدليل و تمتع بالسلطة ،و الخدمة التي تقدَّم لكل منهم بوصفه رب بيت مهاب – أو يفترض أنه مهاب – و في المقابل تغالي الفتيات اللاتي أصبحن يثمِّن جهودهن و مشاركتهن المالية في مؤسسة الزواج ،و يُغالين في مطالبهن ؛ لأن فرصة فرض الشروط ،و المغالاة في المطالب في فترة الخطوبة هي الفرصة الأخيرة بالنسبة لهن ، فهي الفترة التي بتن – بفضل الوعي – يدركن تماماً أنها مرحلة الأخذ و التلقي المادي و العاطفي .. التي تبدأ بعدها مرحلة العطاء بلا حدود ،و دون مقابل ..أو حتى تقدير من زوج لا يعطي من ماله !! و قد لا يعطي من عواطفه أيضاً!! و لو حتى كمتكلم و أنيس في مؤسسة الصحبة و الرفقة .. بعد أن يُصاب " بالخرس الزوجي " كمرض معروف لدى كل الجنس اللطيف .. و إن لم يعترف بعض الرجال بإصابتهم به ،و بتفشِّيه بينهم .
المهم أن المجتمع العربي و المصري يرى "العنوسة" في المرأة دون الرجل .. رغم أن العنوسة أصلاً يوصف بها النساء و الرجال – لغويا - كما أنها لم تعد – اجتماعياً- عنوسة المرأة .. لكنها عزوف النساء و الرجال معاً عن الزواج ؛و لكل فريق منهم أسبابه ،سواء كانت ناتجة عن عدم مقدرتهم على تكاليفه .. كتأخُّر إجباري لسن الزواج ، أو "عنوسة اختيارية" كما هو الحال بالنسبة للرجال الذين يؤخرون الزواج بمزاجهم ؛ و لأسباب تتعلق بعدم الرغبة في تحمُّل المسئولية ،و الاكتفاء بعلاقات وقتية –كالزواج العرفي و العلاقات غير المشروعة - بغرض إشباع الفراغ العاطفي ،أو إشباع الغرائز دون التزام !! في حين أن الفتيات يؤجِّلن إلى حين ؛ لأسباب وجيهة هي : تحصيل العلم ،و إثبات الذات في العمل.. و حينما يبدأن في البحث عن زوج ،أو لنقل انتظار الطارق الطالب للزواج يصدمن ؛ لأنهن لم تعدن نموذجاً للمرأة المرغوبة من الشباب الخاطب ،الذي يحلم بفتيات الإعلان و عارضات الأزياء ،و راقصات الفيديو كليب ،أو مذيعات التليفزيون - في أحسن الأحوال -و كلها نماذج للجمال الغربي ،الذي تروِّج له وسائل الإعلام المرئية .
و النتيجة أننا بعد أن كنَّا نحارب الزواج المبكر و مضاره في الريف.. أصبحنا نعاني من تأخر سن الزواج في المدن ،و مسالبه الكثيرة الواقعة و المتوقَّعة ،و أخطرها وجود فئة منذورة للإحباط و الكبت و الوحدة ،و قهر المشاعر و الدوافع ،أو الغرائز الطبيعية و الفطرية .. خاصةُ اللاتي ينتظرن من يتعطف عليهن بطلب القرب ،و كأنهن بضاعة بائرة يجب أن نُدلّل عليها لتروج .. و نتخلص من ركودها في مخازننا .. حتى لو اقتضى الأمر تقديم الكثير من التنازلات .. أو بلغة البيع و الشراء عمل تخفيضات أو "أوكازيون" ؛ لترويجها .. فنرحب حتى بمن لا يملك .. بعد أن كنّا نعتبر من يدفع أكثر هو العريس "اللقطة" !! بينما المنطق و الشرع ،و الرغبة في استمرارية الحياة بسعادة تتطلب منا النظرة للعلاقة الزوجية بعيداً عن المعايير التجارية .. التي تقول "إللي يدفع يشيِّل" !! فالزواج رباط مودة و رحمة ،له أهميته الاجتماعية و النفسية و الصحية و …و … و … للرجل و المرأة معاً .

السبت، 14 يونيو 2008

ربي لا تدخلني في التجربة



د. عزة عزت

"ربي لا تدخلني في التجربة" دعاء إنجيلي جميل ،و عميق المغزى .. قد لا ندرك مرماه البعيد ،فالدعاء صلاة نتقرَّب بها من الله ،طالبين أن يكفينا شر الابتلاء بامتحان صعب، لا نستطيع اجتيازه .
و قد يتصور البعض أن الابتلاء بالمرض ،أو بموت عزيز ،أو بانقطاع رزق هي أصعب الامتحانات ،التي يمكن أن ندخلها ،و التي يصعُب على غالبيتنا اجتيازها بنجاح فنُثاب أو نؤجر عليه .. لكن الحقيقة - في تصوري - أن الامتحان الصعب هو أن يُفتتن المرء في دينه، و أن يُختبر في مدي تمسُّكه بما يعتنق من قيم ،و مبادئ طال به أمد الحفاظ عليها و الدفاع عنها.. خاصة في هذا الزمان الذي أصبح فيه "القابض على دينه كالقابض على الجمر" ،و في زمن اختلطت فيه الأوراق ،و تداخلت فيه التفسيرات و المسميات أو التعريفات .. رغم أن "الحلال بيِّن و الحرام بيِّن" و لا مجال لأي لبث .. و لكن ماذا يفعل إنسان مؤمن حيال تسمية "البرطلة" أو الرشوة "بالإكرامية" أو "العمولة" ،أو حتى "الزيس"؟؟ و الأنكى من ذلك أن يطلب منه أن يحتسبها عند الله صدقة !!
تذكرت هذا الدعاء ،و تمتمت به بيني و بين نفسي حيال موقف ،و جدت فيه نفسي أمام محك حقيقي ؛لاختبار مدى صلابتي ،في مقابل تحقيق مطمح أو أمل اقترب تحقيقه ،و لم يعد أمام إمساكي به و القبض عليه إلا خطوة واحدة ،أي أصبحت (قاب قوسين أو أدني) لنيله .. و لكن.. و لابد من أن أضع مئات الخطوط تحت كلمة و" لكن " و ما تلعبه في حياتي من أدوار شريرة ، توقف لي كل المصالح ،و تنحيها عن الطريق فلا أقبض سوى على السراب .
و تذكرت أيضاً مقولة أستاذي ،و أستاذ جيلي كله من خريجي الصحافة .. دكتور إبراهيم إمام ، الذي كان يُدرِّس لنا في كلية الآداب العديد من المواد ،و كان في عز المد الاشتراكي لا يؤمن بالاشتراكية ،و كان يعلن لنا رأيه هذا ،أو يبثنا عدم إيمانه بها في ثنايا ما يلقي من محاضرات ،و قد دلل لنا على عدم صدق من ينادون بتوزيع الثروات ،و أنهم يتشدَّقون بمبادئ لا يستطيعون تطبيقها على أنفسهم .. إذا وصل الأمر إلى حدود ملكيتهم الحقيقية ،و أن ما يرددونه مجرد شعارات جوفاء ..تتبخر عن حدود ذواتهم ،و قد ضرب لنا مثلاً عملياً ،بأن كل إنسان يُمكنه أن يقول : " لو أني أملك عشرة أردية لتنازلت عن نصفها لمن لا يملك ،و لو أني أملك ثمان لتنازلت عن نصفها و لو ست لتنازلت عن نصفها " .. و هكذا حتى يصل إلى حدود ملكيته الفعلية .. فإذا كان يملك ثلاثة ،و طلب منه تطبيق الاشتراكية على نفسه .. فلن يتنازل عن واحد فقط من الثلاثة !!
وقد صدمت في نفسي حينما وجدتني أفكر – مجرد تفكير – في ممارسة أمر ظللت طوال عمري أتجنبه ؛بوصفه رجز من عمل الشيطان .. ألا و هو التعامل في الرشوة ،كأسلوب إنجاز للمصالح .. حتى أني كنت آنف من منح أي من رؤسائي في العمل هدية .. مهما كانت تفاهتها ؛لسبب بسيط هو أني كنت أقيسها بنيتي أنا – التي لا يعلمها إلا الله – و هي أني لا أقدِّمها محبة في شخصه ،أو كما هو الحال مع ما أقدمه لأصدقائي من هدايا على سبيل المجاملة الواجبة ،كما أني لا أقدمها كصدقة .. كما هو الحال بالنسبة لما أمنحه لمن هم في احتياج حقيقي.. لكني أقدمها من قبيل التقرُّب من ذوي النفوذ و السلطة .. و قد نأيت بنفسي عن الانزلاق في هذا الطريق ،حتى لا أرى نفسي منافقة أو متزلفة لأيٍ من كان .. فإذا كنت أرفض منح هدية .. فكيف أفكر في منح رشوة ؟!
و وجدتني أخرج من مجرد التفكير إلي حيز إشراك غيري معي –فما خاب من استشار- و هالني كم التفسيرات و التبريرات التي حصلت عليها ؛كي أسكِت ضميري و أخدِّره ؛ كي أمرر و أبرر لنفسي ما سأقدم عليه ؛لتحقيق مصلحة كبيرة لي ،أصبحت في يد إنسان صغير النفس و المكانة .. لكن في يده التأثير على صانع القرار ، الذي يملك تحقيق مأربي ،و هالني كم التحبيذ لإنجاز ما أريد .. حتى لو كانت الرشوة هي السبيل الوحيد ،و إلا فلأضيِّع الفرصة التي قد لا تأتي مرة أخرى ،فمن قائل اعتبريها "حلاوان" و من قائل: " أن الكبار و الصغار يمارسونها الآن " .. فمن أنا حتى أربأ بنفسي عن ممارسته !!؟ و هل لو أحجمت ،و ضاعت الفرصة و هي من حقي تماماً و أخذها غيري .. هل سأصلح الكون ؟؟!! و من يقول : "خليِّك زي ما أنتِ " و من يقول "لا تدفعي نقود .. بل امنحي هدية ،و "النبي قبل الهدية "الهدية " .. و النبي برئ من هذا التفسير ،و أخيراً كان التبرير المعجز : "اعتبريها صدقة !! "
و أمام عجبي من كل هذه التبريرات !!! استرجعت قاموس مفردات الشارع المصري المستحدثة .. خلال العقود الثلاث الأخيرة ،و التي تقول الكثير في توصيف و تبرير أو تحليل الرشوة ،من قبيل : " رُش و اربح " ،و "ابرز تنجز" كتحريف للقول السائد في الستينيات و القائل: "ونجز تنجز" أي أعطي الموظف سيجارة "wings " - و كانت من أشهر الأنواع آنذاك – في حين أن الرشوة الآن لابد و أن تكون " رشَّة جريئة " .. ناهيك عن التسميات الأخرى مثل "حلاوان" و "تفتيح مخ" ،و "سيز" و "إكرامية" و "قهوة" … إلي أخر هذه التسميات المعجزة التي تؤكد مدي قدرة المصري على التحامق .. فهو إذا أراد يقلب الأبيض أسود دون عناء !!
و حينما أدركت أن الأمر مجرد تحامق لا يجب أن أنجرف وراءه .. و أنه لو كان المحك هو الاستشهاد بالأقوال ،و الاسترشاد بالآراء .. فالقول الفصل هو : "لعن الله الراشي و المرتشي و الرائش " و صدق رسول الله إذ قال :" و اعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيْ لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك .. و لو اجتمعت على أن يضرُّوك بشيء .. لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك .. جفت الأقلام و رفعت الصحف "

ربي لا تدخلني في التجربة



د. عزة عزت

"ربي لا تدخلني في التجربة" دعاء إنجيلي جميل ،و عميق المغزى .. قد لا ندرك مرماه البعيد ،فالدعاء صلاة نتقرَّب بها من الله ،طالبين أن يكفينا شر الابتلاء بامتحان صعب، لا نستطيع اجتيازه .
و قد يتصور البعض أن الابتلاء بالمرض ،أو بموت عزيز ،أو بانقطاع رزق هي أصعب الامتحانات ،التي يمكن أن ندخلها ،و التي يصعُب على غالبيتنا اجتيازها بنجاح فنُثاب أو نؤجر عليه .. لكن الحقيقة - في تصوري - أن الامتحان الصعب هو أن يُفتتن المرء في دينه، و أن يُختبر في مدي تمسُّكه بما يعتنق من قيم ،و مبادئ طال به أمد الحفاظ عليها و الدفاع عنها.. خاصة في هذا الزمان الذي أصبح فيه "القابض على دينه كالقابض على الجمر" ،و في زمن اختلطت فيه الأوراق ،و تداخلت فيه التفسيرات و المسميات أو التعريفات .. رغم أن "الحلال بيِّن و الحرام بيِّن" و لا مجال لأي لبث .. و لكن ماذا يفعل إنسان مؤمن حيال تسمية "البرطلة" أو الرشوة "بالإكرامية" أو "العمولة" ،أو حتى "الزيس"؟؟ و الأنكى من ذلك أن يطلب منه أن يحتسبها عند الله صدقة !!
تذكرت هذا الدعاء ،و تمتمت به بيني و بين نفسي حيال موقف ،و جدت فيه نفسي أمام محك حقيقي ؛لاختبار مدى صلابتي ،في مقابل تحقيق مطمح أو أمل اقترب تحقيقه ،و لم يعد أمام إمساكي به و القبض عليه إلا خطوة واحدة ،أي أصبحت (قاب قوسين أو أدني) لنيله .. و لكن.. و لابد من أن أضع مئات الخطوط تحت كلمة و" لكن " و ما تلعبه في حياتي من أدوار شريرة ، توقف لي كل المصالح ،و تنحيها عن الطريق فلا أقبض سوى على السراب .
و تذكرت أيضاً مقولة أستاذي ،و أستاذ جيلي كله من خريجي الصحافة .. دكتور إبراهيم إمام ، الذي كان يُدرِّس لنا في كلية الآداب العديد من المواد ،و كان في عز المد الاشتراكي لا يؤمن بالاشتراكية ،و كان يعلن لنا رأيه هذا ،أو يبثنا عدم إيمانه بها في ثنايا ما يلقي من محاضرات ،و قد دلل لنا على عدم صدق من ينادون بتوزيع الثروات ،و أنهم يتشدَّقون بمبادئ لا يستطيعون تطبيقها على أنفسهم .. إذا وصل الأمر إلى حدود ملكيتهم الحقيقية ،و أن ما يرددونه مجرد شعارات جوفاء ..تتبخر عن حدود ذواتهم ،و قد ضرب لنا مثلاً عملياً ،بأن كل إنسان يُمكنه أن يقول : " لو أني أملك عشرة أردية لتنازلت عن نصفها لمن لا يملك ،و لو أني أملك ثمان لتنازلت عن نصفها و لو ست لتنازلت عن نصفها " .. و هكذا حتى يصل إلى حدود ملكيته الفعلية .. فإذا كان يملك ثلاثة ،و طلب منه تطبيق الاشتراكية على نفسه .. فلن يتنازل عن واحد فقط من الثلاثة !!
وقد صدمت في نفسي حينما وجدتني أفكر – مجرد تفكير – في ممارسة أمر ظللت طوال عمري أتجنبه ؛بوصفه رجز من عمل الشيطان .. ألا و هو التعامل في الرشوة ،كأسلوب إنجاز للمصالح .. حتى أني كنت آنف من منح أي من رؤسائي في العمل هدية .. مهما كانت تفاهتها ؛لسبب بسيط هو أني كنت أقيسها بنيتي أنا – التي لا يعلمها إلا الله – و هي أني لا أقدِّمها محبة في شخصه ،أو كما هو الحال مع ما أقدمه لأصدقائي من هدايا على سبيل المجاملة الواجبة ،كما أني لا أقدمها كصدقة .. كما هو الحال بالنسبة لما أمنحه لمن هم في احتياج حقيقي.. لكني أقدمها من قبيل التقرُّب من ذوي النفوذ و السلطة .. و قد نأيت بنفسي عن الانزلاق في هذا الطريق ،حتى لا أرى نفسي منافقة أو متزلفة لأيٍ من كان .. فإذا كنت أرفض منح هدية .. فكيف أفكر في منح رشوة ؟!
و وجدتني أخرج من مجرد التفكير إلي حيز إشراك غيري معي –فما خاب من استشار- و هالني كم التفسيرات و التبريرات التي حصلت عليها ؛كي أسكِت ضميري و أخدِّره ؛ كي أمرر و أبرر لنفسي ما سأقدم عليه ؛لتحقيق مصلحة كبيرة لي ،أصبحت في يد إنسان صغير النفس و المكانة .. لكن في يده التأثير على صانع القرار ، الذي يملك تحقيق مأربي ،و هالني كم التحبيذ لإنجاز ما أريد .. حتى لو كانت الرشوة هي السبيل الوحيد ،و إلا فلأضيِّع الفرصة التي قد لا تأتي مرة أخرى ،فمن قائل اعتبريها "حلاوان" و من قائل: " أن الكبار و الصغار يمارسونها الآن " .. فمن أنا حتى أربأ بنفسي عن ممارسته !!؟ و هل لو أحجمت ،و ضاعت الفرصة و هي من حقي تماماً و أخذها غيري .. هل سأصلح الكون ؟؟!! و من يقول : "خليِّك زي ما أنتِ " و من يقول "لا تدفعي نقود .. بل امنحي هدية ،و "النبي قبل الهدية "الهدية " .. و النبي برئ من هذا التفسير ،و أخيراً كان التبرير المعجز : "اعتبريها صدقة !! "
و أمام عجبي من كل هذه التبريرات !!! استرجعت قاموس مفردات الشارع المصري المستحدثة .. خلال العقود الثلاث الأخيرة ،و التي تقول الكثير في توصيف و تبرير أو تحليل الرشوة ،من قبيل : " رُش و اربح " ،و "ابرز تنجز" كتحريف للقول السائد في الستينيات و القائل: "ونجز تنجز" أي أعطي الموظف سيجارة "wings " - و كانت من أشهر الأنواع آنذاك – في حين أن الرشوة الآن لابد و أن تكون " رشَّة جريئة " .. ناهيك عن التسميات الأخرى مثل "حلاوان" و "تفتيح مخ" ،و "سيز" و "إكرامية" و "قهوة" … إلي أخر هذه التسميات المعجزة التي تؤكد مدي قدرة المصري على التحامق .. فهو إذا أراد يقلب الأبيض أسود دون عناء !!
و حينما أدركت أن الأمر مجرد تحامق لا يجب أن أنجرف وراءه .. و أنه لو كان المحك هو الاستشهاد بالأقوال ،و الاسترشاد بالآراء .. فالقول الفصل هو : "لعن الله الراشي و المرتشي و الرائش " و صدق رسول الله إذ قال :" و اعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيْ لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك .. و لو اجتمعت على أن يضرُّوك بشيء .. لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك .. جفت الأقلام و رفعت الصحف "

السبت، 31 مايو 2008

كتب منشورة








مقالات


الحاكم و المحكوم في مفردات الشارع المصري!!

بقلم / دكتورة عزة عزت

كانت العلاقة بين الحاكم و المحكوم في مصر علاقة شد وجذب دائم عبر التاريخ المصري قديمه و حديثه، مع اختلاف نسبي بين حقبة و أخرى، و قد عبَّرت المأثورات الشعبية المصرية عن علاقة المصري بالسلطة في شتى الفنون الشعبية: المواويل و الأمثال و حتى في النكات السياسية.. و لكن مهما تباينت هذه العلاقة فإن المزاج الشعبي قد رسم لها شكلا وحدد لها ملامحاً مميزة، و وضع لها حدوداً، و وصَّفها بدقة بالغة، بأسلوبه الساخر البديع، و بحسه و مزاجه الحريف، الذي لا يجاريه أي مزاج أخر عربي أو غربي.. فماذا قال المثل الشعبي عن السلطة ممثلة في الحاكم: فرعون كان أو سلطان أو خديوي أو ملك أو رئيس ؟ و كيف حدد هذه العلاقة بين الراعي و الرعية ؟!

بداية استشعر المصري الجالس على حافة النهر منذ فجر التاريخ حاجته لكبير قوي صارم، له حول و طول يستطيع أن ينظم الحياة على ضفتي النهر، و يضبط الري و نظامه حال فيضان النيل أو تحاريقه؛ و لذلك آلـَّه حكامه و شيد في حبهم أو عبادته لهم حضارة مازالت أثارها باقية، و لذا لم يعد غريباً علينا أن نبحث دائماً عن البطل فإن لم نجده نصنعه، و نصبغ عليه ملامح أسطورية.. حتى لو لم يكن يتمتع بها أصلا، و كما يقول المثل الشعبي : "اللي ما لوش كبير يشتري له كبير"؛ لإدراكه أنه في حاجة لهذا الكبير؛ ليعضده و يسانده في الشدة؛ و لذلك يقول المثل المصري: "اللي تيجي له المصايب يدق الأبواب العالية"، فهو يدرك بفطنته إن "إللي له ضهر ما ينضربش على بطنه"، و أنه إذا كان "الريس يحبك أمسح إيدك في القلع"، ذلك أن المصري قد أدرك أن رضا الحاكم و محبته لأحد من المقربين له تسمح له بالكثير من الأمور غير المقبولة، و لذا يصدق المثل القائل: "حاميها حراميها" .

هيبة الحاكم و خشيته

و المصري بطبعه طيِّع لحكامه و خاضع لهم، فقد تعوَّد عبر تاريخه الطويل أن يُقدِّس السلطة و يُجلها و يحترمها _ و لو ظاهرياً أو في مواجهتها _ و إن كان يسخر منها في نكاته و في أمثاله و أيضاَ في تشبيهاته و كناياته الشعبية، فهو من يقول : "إتوصوا بنا يا اللي حكمتونا إحنا العبيد و انتو اشتريتونا"، و هو من قال : "أرقص للقرد في دولته"، و هو اختصار لمثل قديم متنه طويل جداً يقول: "اضرب عاد بثمود و ارقص مع القرد إذا حكمت؛ مادام في دولة القرود"، و هو من قال في استفهام استنكاري بديع: "حد يقول للغولة عينك حمرة!!" أو "حد يقدر يقول البغل في الإبريق"، و هو من يسلم تسليما تاماً و هو يقول: "اللي يتجوز أمي أقول له يا عمي" .

فالمصري هو من أدرك أن للحاكم و للكبير بوجه عام هيبته و خشيته؛ و لذلك فهو يرى أن "الملك من هيبته بينشتم في غيبته"، و هو من أدرك بدهائه الذي اكتسبه من سنوات العنت و الظلم التي عانى فيها من حكام جائرين تسيدوا عليه من كل حدب و صوب كيف يداهن حكامه و ينافقهم؛ ليأمن شرهم، ذلك أن "الإيد اللي ما تقدرش تقطعها بوسها"، فمن المعروف أن مصر لم تحكم منذ عام 332 قبل الميلاد من قِبل أبنائها، فمنذ حكم الإسكندر الأكبر و حتى ثورة يوليو تعاقب عليها الإغريق و البطالمة، ثم الرومان و الفرس و العرب و المماليك و الترك العثمانلية، و هذا الشعب نفسه هو من حكمته النساء، و العبيد المماليك، و الأغوات من الخصيان، و صبر على كل حكامه صبراً جميلا، و عبَّر أيضاَ بأمثاله الشعبية عن قهر هؤلاء الحكام له و قلة حيلته في مواجهتهم، التي لم يملك حيال تحكمهم فيه إلا الاستكانة و التملق فقال: "الحيا سُنـَّة و مسح الجوخ فرض"، و يصل الأمر بالمصري أن يقول: "أتوصوا علينا يا للي حكمتم جديد إحنا عبيدكم و أنتم علينا سيد"، و "معاهم معاهم عليهم عليهم"؛ تجنباً للإيذاء .

هذا و قد عانى المصريون من صلف حكامهم و تعاليهم عليهم، الأمر الذي جعلهم هم أيضاَ يسعون للابتعاد عنهم، و لذا قالوا: "السلطان من لا يعرف السلطان أو من بعد عن السلطان"، و قد حدد المصريون و رسموا شكل و مساحة الاقتراب من الحاكم في قوله: "رايح فين يا صعلوك ما بين الملوك؟!"، فالمفروض عدم الاقتراب منهم.. لأننا لن نستطيع مجاراتهم .

الاستعلاء و إطلاق اللسان

و رغم ما يبدو من استسلام ظاهري من جانب المصريين لحكامهم الأجانب عبر عصور نجدهم بنفس أبيه يرفضون تحكم من يرونه أدنى، فيقولون تعبيراً عن ذلك: "الضرب بالسيف و لا حكم العويل فيَّ "، و هو مثل تكرر كثيراً في المواويل الشعبية أيضاً، كما يقولون استنكاراً لتحكم العبيد _ شرى المال _ من المماليك فيهم و هم من يفترض أن يكونوا أسياداً في وطنهم، يقولون أمثالا كثيرة تكرِّس رفضهم فيما بينهم لما يحدث، فهم لا يملكون سوى ألسنتهم ليطلقوها على الحكام في محيطهم الخاص فيقولوا: "الله يلعنك يا زمان ياللي خليت للندل كلام و جبت اللي ورا قدام وخليت السيد خدام"، كما يقولون: "خدام بيخدم خدام من ميلتك يا زمان" أو "جارية بتخدم جارية دي خيبة عالية" حيث كان هذا الأمر وارد حدوثه كثيراً في عصر المماليك الذي كانت تصعد فيه الإماء و الجواري و العبيد إلى مصاف الحكام بين يوم و ليلة .

هذا و يستهين المصري غالباً بمن يتحكمون فيه، و يرى أنهم ليسو أهلا للحكم فيقول: "خلقته لركبته و عشرة في خدمته"، سخرية و استهانة ممن حكموه "و لا حكم قراقوش"؛ ذلك أن المصري عانى الأمرين من حكامه، و أكثر ما كان يكرهه فيهم تسليطهم للجباه و إطلاقهم عليه، و قد عبرت الأمثال عن ذلك قائلة: "إيش تاخد من تفليسي يا برديسي" ، و "المفلس غلب السلطان" .

أما عن توصيف الأمثال للحكم و الحكام، و يدهم الطولى في إيذاء الشعب الذي يخضع لهم و يطيعهم بالقوة فيتمثل في الأقوال: "جبناك يا حكومة تحمينا حميتي النار و كوتينا"، و "حاكمك غريمك إن ما طِعته يضيمك"، و " سيف السلطة طويل "، و "حكم القوي ع الضعيف طاعة"، و "شومة على شومة يكفيك شر الحكومة"، و هي أمثال يتبناها معظم المصريين حتى الآن، فنجدهم طيِّعين إلى حد كبير للسلطة، يخشون سيفها الطويل و شومها الموجه إليهم إذا ما رفعوا رأسهم معترضين.. إلا ما ندر منهم ممن نسميهم الآن قوى المعارضة ذات الصوت العالي التي لا تمثل حتى الآن معارضة إيجابية إلا قلة ضئيلة، تطلق عليها الحكومات المصرية المتعاقبة "القلة المندسة" !!

لكل زمان دولة و رجال

و بفطنة المصري و خبرته بالحكم و الحكام يدرك تماماً أنه "على الباغي تدور الدوائر"، و أن "الزمان دوار"، و أن "دوام الحال من المحال"، خاصة في مجال السلطة و التسلط؛ و لذلك يصبر المصري على حكامه طويلا؛ مؤمناً بأن "دولة الظلم ساعة و دولة الحق حتى قيام الساعة"، و أن "الكرسي دوار"؛ و لذلك لا يفرحون كثيراً بالتغيير، و يأخذون منه الحذر قائلين بحكمة السبعة آلاف السنة عمر حضارتهم و خبرتهم المتراكمة بزوال الدول و تعاقب الحكام: "ما تفرحوش في اللي راح أما تشوفوا اللي جي" أو "ما تفرحوش في اللي إنعزل لما تشوفوا إللي نزل" .

هذا و لأن المصري الحكيم يعرف أن "كل شيء و له قانون"، أو دستور ينظمه فهو مقتنع بأن "المركِب إللي فيها ريسيين تغرق"، و هذا يعكس أن مزاجه يُكرِّس الرأي الواحد للحاكم دون نِقاش حتى لا تغرق السفينة.. و لكن بشرط أن يكون هذا القائد قادر و على قدر المسؤولية؛ و لذا يقول المثل: "إللي يعمل ريس يجيب الريح من قرونه و أن "نص الحكم هيبة"؛ و لذا فالحكم عنده يتطلب القدرة و الهيبة و حسن التصرف و إيجاد الحلول لتسيِّر دفة الحكم، حتى لو حكمت أن يأتي بالريح التي تسييِّر المركب من رأسه!! فهذه مسئوليته طالما تصدى للقيادة .

السعي للسلطة و إفساد الحاكم

و يدرك المصري بفطرته السليمة أن للسلطة مميزات تجعل الكل يسعى إليها مهما كان ما يحيط بها من مصاعب و شبهات، و تقول أمثال المصريين في هذا الصدد: "زي مرزوق يحب السلطة و لو على خازوق" ، و "المال الميري سايب"؛ و لذلك تلمِح الأمثال الشعبية إلى المحيطين بالسلطان أو الأمير بوصفهم ليسو فوق الشبهات، فهم كثرة متملقة تخدع الحاكم و تفسده، و لا يهمها سوى إرضائه، و ليس على بالها من مصالح شعب شيء، و تلخص هذه المعاني الأمثال القائلة: "طربوش الأمير شراشيبه كتير" أي التابعين له و من يمشون خلفه، غير عابئين بالمصلحة العامة؛ و لذلك فأن "اللي معاه القمر إيش على باله من النجوم".. لكن هؤلاء التابعين يعملون لصالح السلطة ضد الشعب، و هم يحسنون فقط التجسس عليه لصالح ولي الأمر؛ و لذا يقول المثل: "الحكومة تعرف دبة النملة" .

و هذه القلة المحيطة بالحاكم غالباً ما تكون هي المفسدة له، و لذلك يصوغ المزاج الشعبي هذا المعنى في مثل تأتي الإجابة فيه على لسان الحاكم نفسه حينما يُسأل عن جبروته فيقول: "قال: يا فرعون أيه فرعنك؟! قال: ما لقيتش حد يردني" أو " ما لقيتش إللي يرجعني" عن الظلم بالطبع!! و هو الأمر الذي يشارك فيه المصريين بالسلبية و الطاعة المطلقة، و التأليه للحكام فيفسدونهم!

هذا و قد اكتفى المصري عبر التاريخ و حتى الآن بصب جام غضبه على الإدارة و معاداتها؛ بداية: لأنها تحول بينه و بين الوصول للحاكم و توصيل المظالم له، و ثانياً: لإيمانه شبه المطلق بأن هذه الجوقة المحيطة بالحاكم هي التي تفسده و تصم آذنيه على السماع لصوت شعبه، و هي التي تعزله عن الشعب لتستفرد به، و ملخص الأمر أنها هي التي تفرعنه .

أمس و اليوم

ذلك عن مفردات الشعب المصري و نظرته التاريخية للحاكم و علاقته بالمحكومين، أما عن مفردات الشعب المصري الآن و كيف تصوغ فلسفته الخاصة في رؤية العلاقة بين الحكام و المحكومين؟ فيكفي أن نقول أن القريحة المصرية مازالت تجود بالكثير من الأقوال و المنحوتات اللفظية التي توصِّف الأحوال و الظواهر الآنية بإحكام معجز، يعكس تضررها مما آل إليه الحال، فتركز على مظاهر الفساد و الإفساد، و انتشار الرشوة و نهب المال العام، و الواسطة و المحسوبية، و استغلال السلطة و النفوذ في القهر و البطش، كما توصِّف انتشار المادية و لغة المال، و انحسار القيم التي اعتبارها من الرومانتيكيات الكلاسيكية، و تسخر من تبدُّل الأحوال و انقلاب السلم القيمي، و تسيُّد الرأسمالية و رجال المال و الأعمال، و انتشار الركاكة و الطلسأة في كل ما نمارس من عمل، و كله بحساب الربح و الخسارة، و ليس لحساب الإتقان و القيمة و الأصالة و المصلحة العامة .

هذا كما تسخر مفردات الشارع المصري من الخضوع و التسليم و الطاعة و السلبية، و من النفاق و المراءه.. لكنها تحبذ بطرف خفي بعض آفات المرحلة من فهلوة تصل إلى حد النصب و الاحتيال أو التحايل على الظروف و المعايش، و اللجوء إلى الخداع و التضليل؛ لتحقيق المصلحة الخاصة الضيقة و الكسب غير المشروع؛ حيث اختلطت الأوراق و تاهت الحدود بين الحق و الباطل و الحلال و الحرام الذي كان يتبينه الضمير المصري بفطرية و بديهية، فأصبح يميل إلى اللجوء للكذب و المبالغة و التدليس و التهويل و النفاق إلى حد الموالسة، و المتابع لما أطلقته القريحة المصرية الشابة دائماً يجده كثير جداً، يضيق المجال هنا عن حصره.. أو حتى استعراض بعض نماذجه.. لكن سيجد فيه الكثير مما يتصل بعلاقة الحاكم بالمحكومين و توصيف الدولة و مواقفها من مجريات الأمور .

و يكفي هنا ذكر القليل من النماذج التي توصِّف ما آل إليه حالنا من تحول كالقول : "بقت ميغة، كرسي في الكلوب، يا نعيش عيشة فل يا نموت إحنا الكل، كوسة، إدِّيها مَيَّة تدِّيك طراوة، و فتح مخك، و أبجني تجدني، و ظرفني تعرفني، و ابرز تنجز، و قب باللحلوح، و خد الفلوس و اجري، و ياكل مال النبي ويغمس بالصحابة و الأولياء الصالحين، و ماعندوش يا أمة إرحميني، و مسنود من فوق، و ما ينول و يطول إلا إللي في البلد مسؤول، و ركب الموجة و ماشي مع الرايجة، و كارت إرهاب حكومي، و دخل شمال، و إشارته خضرة، و دولة دلدولة لا مع دولة و لا مع دولة، و الجري نص الجدعنة، و عيش ندل تموت مستور، و ذاكر تنجح غش تجيب مجموع، و اشتغل على قد فلوسهم،و بيكسب من الهوى، و راح في الكازوزة، و هات م الأخر، و اشتري دماغك، و طنش تعش تنتعش، و أحلام سيادتك أوامر، و مشي حالك، و الدنيا مش عايزه إللي يحجر لها، يعنى أنت هتصلح الكون؟!! دي الدكتره بقت زي الكركرة و السمساره" .

فأصبح الجميع ممن "خرموا التعريفة، و عصروا الدنيا و مصوا زعزوعتها، و بتوع الليل و أخره و نزيح النهار و نتاخروا، و عالم مخلـَّصة تلعب بالدماغ و تلينها، و تلحس المخ و تشتغله، و تظبوطه ع الموجة، و تخيِّش في النفوخ، فهم بشر مرض و انتشر، و فنجرية البق بتوع الدعاية الانتخابية، و كلام الجرايد، إللي بيكدبوا زي ما بيتنفسوا، و كله كلام وفعل مفيش، و نكدب الكدبة و نصدقها، و لو إن الحكاية مش طالبة، و بمبة بقى، و لم الدور أو لم الليلة، و لم تعابينك بقى ما نعطلكش، و هي دي مصر يا عبلة!!!